تُعدّ المقاتلة التركية KAAN (المعروفة سابقًا باسم TF-X) أحد أبرز المشاريع الاستراتيجية في تاريخ الصناعات الدفاعية التركية. هذا المشروع ليس مجرد تطوير لطائرة مقاتلة متقدمة، بل هو إعلان عن دخول تركيا رسميًا إلى نادي الدول القادرة على تصميم وتصنيع مقاتلات الجيل الخامس، إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا والصين وربما قريبًا كوريا الجنوبية واليابان.
تمثل KAAN ذروة مسارٍ طويل بدأته أنقرة قبل أكثر من عقدين في بناء استقلال دفاعي وتكنولوجي، عبر توطين الصناعات الدفاعية وتأسيس كيانات كبرى مثل شركة Turkish Aerospace Industries (TAI)، وشركة ASELSAN للإلكترونيات الدفاعية، وHAVELSAN للأنظمة البرمجية، وROKETSAN للصواريخ، وغيرها.
لكن هذه الطائرة بالتحديد تحمل دلالات أعمق — فهي نتاج تراكم تقني، وإرادة سياسية، وتحالفات إقليمية جديدة، وتعكس تطلع تركيا إلى تحقيق استقلال تام في قدرتها الجوية، بعد سنوات من الاعتماد على مقاتلات F-16 الأمريكية ومنع حصولها على F-35.
تعريف بالمشروع وخصائص المقاتلة KAAN
المقاتلة KAAN تُصنف ضمن مقاتلات الجيل الخامس، وهي مصممة لتكون متعددة المهام (Multirole Fighter)، قادرة على تنفيذ عمليات جو-جو وجو-أرض بتقنيات تخفٍّ متقدمة وأنظمة إلكترونية عالية التطور.
تم الكشف عنها رسميًا في عام 2023، وحققت أول تجربة إقلاع ناجحة في مطلع عام 2024، ضمن برنامج تطوير شامل تقوده شركة TAI تحت إشراف رئاسة الصناعات الدفاعية التركية (SSB).
من أبرز خصائص KAAN التقنية:
-
تصميم شبحي (Stealth) بزوايا مدروسة لتقليل البصمة الرادارية.
-
هيكل مصنوع بنسبة كبيرة من المواد المركبة (composite materials) لتقليل الوزن وزيادة المتانة.
-
إلكترونيات طيران متكاملة من تطوير ASELSAN وHAVELSAN تشمل رادار AESA متطور وأنظمة حرب إلكترونية وبيئة رقمية متكاملة للطيار.
-
قدرة على الطيران بسرعات تتجاوز Mach 1.8 وارتفاعات عالية.
-
تصميم قمرة قيادة رقمية بالكامل مع واجهات تحكم متقدمة تشبه ما في الـ F-35.
-
أنظمة تسليح داخلية وخارجية مرنة تتيح حمل صواريخ تركية مثل Gökdoğan وBozdoğan.
الشركات والمؤسسات المشاركة في تطوير وتصنيع KAAN
يُعد المشروع نتاج تعاون ضخم بين القطاعين الحكومي والخاص داخل تركيا، إضافة إلى دعم تمويلي وبحثي متكامل. ويمكن تقسيم الكيانات المشاركة إلى ثلاث فئات رئيسية:
1. الكيانات الرئيسة في التطوير
-
TAI (Turkish Aerospace Industries) – المقاول الرئيسي للمشروع والمسؤول عن التصميم، الهندسة، التجميع النهائي، والاختبارات.
-
ASELSAN – تطوير الرادار، الأنظمة الكهروبصرية، وأجهزة الاستشعار المتقدمة.
-
HAVELSAN – تطوير الأنظمة البرمجية، بيئة المحاكاة، ودمج الأنظمة الرقمية.
-
TÜBİTAK SAGE – المعهد الحكومي المسؤول عن الأبحاث العسكرية المتقدمة، خاصة في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات.
-
ROKETSAN – دمج أنظمة التسليح والصواريخ المحلية.
2. الشركات الصناعية والبحثية الداعمة
-
TUSAŞ Engine Industries (TEI) – تطوير محرك الطائرة المحلي المستقبلي TF-35000، الذي يُعد أساس الاستقلال الكامل للمشروع.
-
CET Composite and Epoxy Technology Inc. – تطوير مواد الإيبوكسي اللاصقة والطلاءات الخاصة المقاومة للحرارة، وربما المواد الماصة للموجات الرادارية.
-
CES Advanced Composites – تصنيع أجزاء مركبة للهيكل الخارجي والسطوح الهوائية.
-
Modelsan Aerospace – مسؤولة عن تصنيع النماذج الأولية والأجزاء الدقيقة غير المعدنية.
-
Metsan Forging Ltd. – إنتاج الأجزاء المعدنية الحاملة مثل المفاصل وقواعد المحركات.
-
Küçükpazarlı Aerospace (KPA) – إنتاج التجميعات الهيكلية المعدنية (Sub-Assemblies).
-
Transvaro Elektron Aletleri – تطوير أنظمة الرؤية الليلية والاستهداف الكهروبصرية.
-
Poletech Composite وEpsilon Composites – إنتاج مواد مركبة خفيفة للأجنحة والغطاءات الخارجية.
3. الكيانات الممولة والداعمة
-
رئاسة الصناعات الدفاعية (SSB) – الجهة الحكومية الممولة والمنسقة للمشروع.
-
صندوق الثروة السيادية التركي – قدم دعماً مالياً للمراحل الأولى من التصنيع.
-
وزارة الدفاع التركية – شريك رئيسي في وضع متطلبات التشغيل والاستعمال العسكري.
-
مراكز الأبحاث مثل TÜBİTAK وITU – ساهمت في الاختبارات العلمية والدراسات الديناميكية الهوائية.
التحديات الرئيسية التي واجهت المشروع
1. تحديات المحرك
أكبر العقبات التي واجهت KAAN هي الاعتماد على محركات أجنبية في المراحل الأولى. إذ تم استخدام محرك من نوع F110-GE-129 الأمريكي مؤقتًا، بانتظار اكتمال تطوير المحرك التركي TF-35000.
هذا الاعتماد يجعل تركيا مقيدة بتراخيص تصدير قد تفرضها الولايات المتحدة، ما يهدد حرية التصدير إلى بعض الدول.
2. تحديات التمويل والتكلفة
تطوير مقاتلة جيل خامس يحتاج استثمارات ضخمة تمتد لسنوات. ورغم الدعم الحكومي، واجه المشروع ضغوطًا مالية متعلقة بتكلفة البحث والتطوير واختبارات النماذج التجريبية.
3. التحديات التقنية
-
دمج الرادار الشبكي النشط (AESA) محليًا دون استيراد مكونات حرجة.
-
اختبار أنظمة التخفي وتطوير مواد ماصّة للرادار.
-
ضمان موثوقية إلكترونيات الطيران مع بيئة تشغيل معقدة.
4. التحديات السياسية
-
المشروع يتأثر بالمناخ السياسي العالمي، خاصة العلاقات التركية-الأمريكية.
-
احتمالية تعرض أنقرة لضغوط في حال تصدير المقاتلة إلى دول تعتبرها واشنطن «حساسة» مثل باكستان أو أذربيجان.
التقدمات والنجاحات التركية الملحوظة
رغم كل هذه التحديات، حققت تركيا إنجازات ملموسة في مشروع KAAN وفي قطاع الدفاع عمومًا:
-
تحقيق أول طيران ناجح في 2024 في وقت قياسي مقارنة بالمشروعات المماثلة.
-
توطين أجزاء حساسة مثل الرادار، الشاشات الرقمية، الأنظمة الإلكترونية، وبرامج التحكم.
-
تطوير بيئة رقمية ومحاكاة متقدمة بقدرات HAVELSAN تجعل الطيار يعمل ضمن «وعي موقعي رقمي» متكامل.
-
تحقيق درجة عالية من الاستقلال الصناعي في مكونات هيكل الطائرة (بمواد مركبة تركية الصنع بنسبة كبيرة).
-
جذب اهتمام دولي أدى إلى توقيع أول اتفاق تصدير رسمي مع إندونيسيا، ما يُعدّ خطوة تاريخية في سوق السلاح التركي.
الدول المهتمة بمقاتلة KAAN
أبدت عدة دول اهتمامًا واضحًا بالمقاتلة التركية الجديدة، بدرجات متفاوتة من الالتزام:
-
إندونيسيا
-
أول دولة تُبرم عقدًا رسميًا مع تركيا لشراء نحو 48 طائرة.
-
يُتوقع أن تُشارك في إنتاج بعض المكونات محليًا، في إطار تعاون صناعي طويل الأجل.
-
هذه الصفقة تمنح تركيا موطئ قدم في جنوب شرق آسيا، وتفتح الباب أمام أسواق آسيوية أخرى.
-
-
باكستان
-
حليف استراتيجي لأنقرة، ويُتوقع أن تنضم إلى البرنامج في مرحلة مبكرة.
-
التعاون الدفاعي القائم (درونات، تدريب، سفن) يجعل KAAN امتدادًا طبيعيًا للشراكة.
-
-
أذربيجان
-
الشريك الأوثق سياسيًا وعسكريًا لتركيا.
-
من المرجّح أن تحصل على دفعات من KAAN لتعزيز تفوقها الجوي بعد حرب قره باغ.
-
-
دول الخليج العربي (السعودية، الإمارات، قطر)
-
جميعها أبدت اهتمامًا بالتعاون الصناعي أو الشراء المستقبلي، خصوصًا في ظل توجه الخليج لتنويع مصادر التسليح وتقليل الاعتماد على الغرب.
-
-
ماليزيا، كازاخستان، مصر، أوكرانيا
-
وردت إشارات إلى مباحثات مبدئية مع هذه الدول حول التعاون أو التصدير مستقبلاً، لكنها لا تزال في مراحل استكشافية.
-
التحليل السياسي لاهتمامات الدول وتأثيرها على تركيا
1. تعزيز النفوذ الإقليمي والدولي
تُمكّن KAAN تركيا من تحويل قوتها الصناعية إلى أداة دبلوماسية مؤثرة. بيع مقاتلة متقدمة إلى إندونيسيا مثلاً يعزز مكانتها في آسيا، ويفتح علاقات اقتصادية وسياسية جديدة.
2. بناء محور دفاعي جديد
علاقات تركيا مع باكستان وأذربيجان والخليج تُشكّل محورًا دفاعيًا غير غربي يعزز استقلال القرار العسكري في المنطقة، ويحدّ من هيمنة مورّدي السلاح التقليديين.
3. مكاسب سياسية داخلية
يُستخدم المشروع داخليًا كرمز للسيادة الوطنية والاستقلال التكنولوجي، ما يعزّز الثقة الشعبية في برامج «تركيا القوية».
4. المخاطر السياسية
-
احتمال تصادم المصالح مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي بسبب تراخيص المكونات.
-
إمكانية تقييد صادرات KAAN إلى بعض الدول إذا تضمّنت مكونات أمريكية أو أوروبية.
-
التنافس الجيوسياسي مع روسيا والصين في أسواق الدفاع قد يخلق احتكاكات دبلوماسية.
التأثيرات الاقتصادية للمشروع على تركيا
1. المكاسب المباشرة
-
إيرادات التصدير من عقود KAAN بمليارات الدولارات.
-
خلق وظائف جديدة في أكثر من 200 شركة محلية مشاركة.
-
زيادة تدفقات العملات الأجنبية عبر عقود الصيانة والدعم اللوجستي.
2. المكاسب غير المباشرة
-
نقل التكنولوجيا من برامج KAAN إلى القطاعات المدنية مثل الطيران المدني والسيارات الكهربائية.
-
رفع كفاءة سلاسل الإمداد في الصناعات الدقيقة (الميكانيك، البرمجيات، الإلكترونيات).
-
تحفيز بيئة الابتكار المحلي عبر الجامعات والمراكز البحثية.
3. المخاطر الاقتصادية
-
الاعتماد على مكونات أجنبية يخلق نقطة ضعف في حال فرض قيود تصدير.
-
الضغوط التمويلية الناتجة عن تقديم تسهيلات مالية للدول النامية المشترية.
-
حرب الأسعار المحتملة مع المنافسين الروس والصينيين الذين يعرضون طائرات أرخص.
تحليل واقعي لتأثير كل دولة على تركيا
| الدولة | الأثر الإيجابي | المخاطر |
|---|---|---|
| إندونيسيا | فتح سوق آسيوي ضخم – شراكة تكنولوجية | ضغط لنقل تقنية – التزامات تمويلية |
| باكستان | تعزيز التحالف الدفاعي – فتح باب تصدير مشترك | مخاطر سياسية بسبب حساسيات الهند والغرب |
| أذربيجان | دعم الحليف الإقليمي – استقرار سوق مضمون | احتمال توريط تركيا في نزاعات إقليمية |
| الخليج | تمويل قوي – فرص تصنيع مشتركة | منافسة مع الغرب والصين – متطلبات سياسية |
| ماليزيا وكازاخستان ومصر | توسيع القاعدة التسويقية | تفاوت في الالتزام والقدرات المالية |
التحديات المستقبلية وسبل تجاوزها
-
تطوير المحرك المحلي TF-35000 بسرعة لتحقيق استقلال تصديري.
-
تحسين القدرات التخفيّة والرادارية لضمان منافسة فعالة مع F-35 وSu-57.
-
تعزيز الشفافية والجودة لبناء ثقة السوق الدولي.
-
تنويع سلاسل الإمداد لتفادي الاعتماد على مورد واحد.
-
عقد اتفاقيات تصدير ذكية تضمن حقوق تركيا التقنية وتحميها من القيود المستقبلية.
الخاتمة
المقاتلة KAAN ليست مجرد مشروع عسكري، بل أداة استراتيجية تعكس نضوج الصناعة الدفاعية التركية وقدرتها على الجمع بين التكنولوجيا، والسياسة، والاقتصاد في مشروع واحد متكامل.
نجاح KAAN في التصدير إلى دول مثل إندونيسيا وباكستان والخليج سيحوّل تركيا من مستورد للسلاح إلى مزوّد عالمي، وسيمنحها استقلالًا حقيقيًا عن الغرب في أهم أدوات القوة الحديثة: التفوق الجوي.
ومع أن المشروع لا يزال في مراحله التطويرية الأولى، إلا أن إنجازاته حتى الآن تُشير بوضوح إلى أن تركيا دخلت عصر الطيران العسكري المتقدم بقدرات محلية حقيقية، وأن السنوات القليلة القادمة قد تشهد ظهور KAAN كمنافس فعلي في سوق المقاتلات العالمية — ليس فقط كمُنتج دفاعي، بل كرمز لنهضة تكنولوجية وصناعية متكاملة في العالم الإسلامي.
المصادر
-
Turkey’s KAAN Stealth Fighter Begins Flight Testing – Defense News
-
Turkey’s Fifth-Generation Fighter KAAN Revealed – Aviation Week
-
Indonesia Signs On as KAAN’s First Export Customer – Breaking Defense
-
Pakistan, Azerbaijan Eye Cooperation on KAAN Fighter Program – Daily Sabah
-
Gulf States Explore Defense Ties with Turkey’s New Fighter – Arab News
-
Kaan Export Opportunities in Asia and the Gulf – Janes Defence Weekly
-
Turkey’s Defense Exports Surge Amid Strategic Partnerships – Anadolu Agency (AA)
-
Turkey’s Fighter Jet Program Aims to Boost Independence from US Tech – Reuters
-
Turkey’s Defense Exports Hit Record Amid KAAN and Bayraktar Sales – Bloomberg
-
Kale Group and Rolls-Royce Pursue Engine Partnership for KAAN – Aviation Week
-
Turkey’s TF-35000 Engine Development Timeline – Defense Express
-
Turkey’s Military-Industrial Complex and Regional Ambitions – Middle East Institute (MEI)
![]()

